فصل: قال القرطبي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الفخر:

قال الشافعي رحمه الله: إذا لم توجد الإبل، فالواجب إما ألف دينار، أو اثنا عشر ألف درهم.
وقال أبو حنيفة: بل الواجب عشرة آلاف درهم.
حجة الشافعي: ما روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده.
قال: كانت قيمة الدية في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ثمانمائة دينار.
وثمانية آلاف درهم، فلما استخلف عمر رضي الله عنه قام خطيبا.
وقال: إن الإبل قد غلت أثمانها، ثم إن عمر فرضها على أهل الذهب ألف دينار، وعلى أهل الورق أثنى عشر ألفا، وجه الاستدلال أن عمر ذكر ذلك في مجمع الصحابة وما أنكر عليه أحد فكان إجماعا.
حجة أبي حنيفة: أن الأخذ بالأقل أولى، وقد سبق جوابه. اهـ.

.قال ابن عاشور:

ومعيار تقدير الديات، باختلاف الأعصار والأقطار، الرجوع إلى قيمة مقدارها من الإبل المعيّن في السُّنَّة.
ودية المرأة القتيلة على النصف من دية الرجل.
ودية الكتابي على النصف من دية المسلم.
ودية المرأة الكتابية على النصف من دية الرجل الكتابي.
وتدفع الدية منجّمة في ثلاث سنين بعد كلّ سنة نجم، وابتداء تلك النجوم من وقت القضاء في شأن القتل أو التراوض بين أولياء القتيل وعاقلةِ القاتل.
والدية بتخفيف الياء مصدر وَدَي، أي أعطى، مثل رمَى، ومصدره وَدْي مثل وعد، حذفت فاء الكلمة تخفيفًا، لأنّ الواو ثقيلة، كما حذفت في عِدّة، وعوّض عنها الهاء في آخر الكلمة مثل شِيَة من الوشي.
وأشار قوله: {مسلَّمَةٌ إلى أهله} إلى أنّ الدية ترضية لأهل القتيل.
وذُكر الأهل مجملًا فعُلم أنّ أحقّ الناس بها أقرب الناس إلى القتيل، فإنّ الأهل هو القريب، والأحقّ بها الأقرب.
وهي في حكم الإسلام يأخذها ورثة القتيل على حسب الميراث إلاّ أنّ القاتل خطأ إذا كان وارثًا للقتيل لا يرث من ديته.
وهي بمنزلة تعويض المتلفات، جعلت عوضًا لحياة الذي تسبّب القاتلُ في قتله، وربما كان هذا المعنى هو المقصود من عهد الجاهلية، ولذلك قالوا: تَكايُل الدّماء، وقالوا: هُما بَوَاء، أي كفآن في الدم وزادوا في دية سادتهم.
وجَعَل عفوَ أهل القتيل عن أخذ الدية صدقة منهم ترغيبًا في العفو.
وقد أجمل القرآن من يجب عليه دفع الدية وبيّنته السنّة بأنّهم العاقلة، وذلك تقرير لِما كان عليه الأمر قبل الإسلام.
والعاقلة: القَرابة من القبيلة. اهـ.

.قال الفخر:

قال أبو بكر الأصم وجمهور الخوارج: الدية واجبة على القاتل، قالوا: ويدل عليه وجوه:
الأول: أن قوله: {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ خطأ} لا شك أنه إيجاب لهذا التحرير، والايجاب لابد فيه من شخص يجب عليه ذلك الفعل، والمذكور قبل هذه الآية هو القاتل، وهو قوله: {وَمَن قَتَلَ مُؤْمِنًا} فهذا الترتيب يوجب القطع بأن هذا التحرير إنما أوجبه الله تعالى عليه لا على غيره، والثاني: أن هذه الجناية صدرت منه، والمعقول هو أن الضمان لا يجب إلا على المتلف، أقصى ما في الباب أن هذا الفعل صدر عنه على سبيل الخطأ.
ولكن الفعل الخطأ قائم في قيم المتلفات وأروش الجنايات، مع أن تلك الضمانات لا تجب إلا على المتلف، فكذا ههنا.
الثالث: أنه تعالى أوجب في هذه الآية شيئين: تحرير الرقبة المؤمنة، وتسليم الدية الكاملة، ثم انعقد الإجماع على أن التحرير واجب على الجاني، فكذا الدية يجب أن تكون واجبة على القاتل، ضرورة أن اللفظ واحد في الموضعين.
الرابع: أن العاقلة لم يصدر عنهم جناية ولا ما يشبه الجناية، فوجب أن لا يلزمهم شيء للقرآن والخبر، أما القرآن فقوله تعالى: {لا تَزِرُ وازرة وِزْرَ أخرى} [الأنعام: 164] وقال تعالى: {وَلاَ تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلاَّ عَلَيْهَا} [الأنعام: 164] وقال: {لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكتسبت} [البقرة: 286] وأما الخبر فما روي أن أبا رمثة دخل على النبي صلى الله عليه وسلم ومعه ابنه فقال عليه الصلاة والسلام: من هذا فقال ابني، قال إنه لا يجني عليك ولا تجني عليه، ومعلوم أنه ليس المقصود منه الاخبار عن نفس الجناية إنما المقصود بيان أن أثر جنايتك لا يتعدى إلى ولدك وبالعكس، وكل ذلك يدل على أن إيجاب الدية على الجاني أولى من إيجابها عل الغير.
الخامس: أن النصوص تدل على أن مال الإنسان معصوم وأنه لا سبيل لأحد أن يأخذه منه.
قال تعالى: {لاَ تَأْكُلُواْ أموالكم بَيْنَكُمْ بالباطل إِلاَّ أَن تَكُونَ تجارة} [النساء: 29] وقال عليه الصلاة والسلام: «كل امرئ أحق بكسبه» وقال: «حرمة مال المسلم كحرمة دمه» وقال: «لا يحل مال المسلم إلا بطيبة من نفسه» تركنا العمل بهذه العمومات في الأشياء التي عرفنا بنص القرآن كونها موجبة لجواز الأخذ كما قلنا في الزكوات، وكما قلنا في أخذ الضمانات.
وأما في إيجاب الدية على العاقلة فالمعتمد فيه على خبر الواحد، وتخصيص عموم القرآن بخبر الواحد لا يجوز، لأن القرآن معلوم، وخبر الواحد مظنون، وتقديم المظنون على المعلوم غير جائز، ولأن هذا خبر واحد ورد فيما تعم به البلوى فيرد، ولأنه خبر واحد ورد على مخالفة جميع أصول الشرائع، فوجب رده، وأما الفقهاء فقد تمسكوا فيه بالخبر والأثر والآية: أما الخبر: فما روى المغيرة أن امرأة ضربت بطن امرأة أخرى فألقت جنينا ميتا، فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم على عاقلة الضاربة بالغرة، فقام حمل بن مالك فقال: كيف ندى من لا شرب ولا أكل، ولا صاح ولا استهل، ومثل ذلك بطل، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: هذا من سجع الجاهلية، وأما الأثر: فهو أن عمر رضي الله عنه قضى على علي بأن يعقل عن مولى صفية بنت عبد المطلب حين جنى مولاها، وعلي كان ابن أخي صفية، وقضى للزبير بميراثها، فهذا يدل على أن الدية إنما تجب على العاقلة، والله أعلم. اهـ.
قال الفخر:
مذهب أكثر الفقهاء أن دية المرأة نصف دية الرجل.
وقال الأصم وابن عطية: ديتها مثل دية الرجل.
حجة الفقهاء أن عليا وعمر وابن مسعود قضوا بذلك، ولأن المرأة في الميراث والشهادة على النصف من الرجل، فكذلك في الدية.
وحجة الأصم قوله تعالى: {وَمَن قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَئًا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إلى أَهْلِهِ} وأجمعوا على أن هذه الآية دخل فيها حكم الرجل والمرأة، فوجب أن يكون الحكم فيها ثابتا بالسوية، والله أعلم. اهـ.
قال الفخر:
انفقوا على أن دية الخطأ مخففة في ثلاث سنين: الثلث في السنة، والثلثان في السنتين، والكل في ثلاث سنين.
استفاض ذلك عن عمر ولم يخالفه فيه أحد من السلف فكان إجماعا. اهـ.
قال الفخر:
لا فرق في هذه الدية بين أين يقضي منها الدين وتنفذ منها الوصية، ويقسم الباقي بين الورثة على فرائض الله تعالى.
روي أن امرأة جاءت تطلب نصيبها من دية الزوج فقال عمر: لا أعلم لك شيئا، إنما الدية للعصبة الذين يعقلون عنه، فشهد بعض من الصحابة أن الرسول صلى الله عليه وسلم أمره أن يورث الزوجة من دية زوجها، فقضى عمر بذلك. اهـ.
قال الفخر:
قوله: {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ} معناه فعليه تحرير رقبة، والتحرير عبارة عن جعله حرا، والحر هو الخالص، ولما كان الإنسان في أصل الخلقة خلق ليكون مالكا للأشياء كما قال تعالى: {خَلَقَ لَكُم مَّا في الأرض جَمِيعًا} [البقرة: 29] فكونه مملوكا يكون صفة تكدر مقتضى الإنسانية وتشوشها، فلا جرم سميت إزالة الملك تحريرًا، أي تخليصا لذلك الإنسان عما يكدر إنسانيته، والرقبة عبارة عن النسمة كما قد يجعل الرأس أيضا عبارة عن نسمة في قولهم: فلان يملك كذا رأسا من الرقيق، والمراد برقبة مؤمنة كل رقبة كانت على حكم الإسلام عند الفقهاء، وعند ابن عباس لا تجزي إلا رقبة قد صلت وصامت، وقد ذكرنا هذه المسألة.
وقوله: {وَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إلى أَهْلِهِ} قال الواحدي: الدية من الودي كالشية من الوشي، والأصل ودية فحذفت الواو يقال: ودى فلانا فلانا، أي أدى ديته إلى وليه، ثم إن الشرع خصص هذا اللفظ بما يؤدى في بدل النفس دون ما يؤدى في بدل المتلفات، ودون ما يؤدى في بدل الأطراف والأعضاء. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {وَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ} الدّية ما يُعْطَى عِوَضًا عن دم القتيل إلى وَلِيّه.
{مُّسَلَّمَةٌ} مدفوعة مؤدّاة، ولم يُعيِّن الله في كتابه ما يُعْطَى في الدية، وإنما في الآية إيجاب الدية مطلقًا، وليس فيها إيجابها على العاقلة أو على القاتل، وإنما أُخِذ ذلك من السنة، ولا شك أن إيجاب المواساة على العاقلة خلاف قياس الأُصول في الغرامات وضمان المتلفات، والذي وجب على العاقلة لم يجب تغليظًا، ولا أن وِزْر القاتل عليهم ولكنه مواساةٌ مَحْضة.
واعتقد أبو حنيفة أنها باعتبار النصرة فأوجبها على أهل ديوانه.
وثبتت الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن الدية مائة من الإبل.
ووداها صلى الله عليه وسلم في عبد الله بن سهل المقتولِ بخيبرَ لحُوَيِّصَة ومُحَيِّصة وعبد الرّحمن، فكان ذلك بيانًا على لسان نبيّه عليه السَّلام لمُجْمَل كتابه.
وأجمع أهل العلم على أن على أهل الإبل مائةً من الإبل.
واختلفوا فيما يجب على غير أهل الإبل؛ فقالت طائفة: على أهل الذهب ألُف دينار، وهم أهل الشام ومصر والمغرب؛ هذا قول مالك وأحمد وإسحاق وأصحابِ الرأي والشافعيّ في أحد قوليه، في القديم.
ورُوي هذا عن عمر وعروة بن الزبير وقَتادة.
وأما أهل الوَرِق فاثنا عشر ألف درهم، وهم أهل العراق وفارس وخُراسان؛ هذا مذهب مالك على ما بلغه عن عمر أنه قوّم الدية على أهل القُرى فجعلها على أهل الذهب ألف دينار وعلى أهل الوَرِق إثني عشر ألف درهم.
وقال المُزَنِيّ: قال الشافعيّ الدّية الإبل؛ فإن أعوزت فقيمتها بالدراهم والدنانير على ما قوّمها عمر، ألُف دينار على أهل الذهب واثنا عشر ألف درهم على أهل الوَرِق.